حصيلة ضحايا فيضانات باكستان ترتفع إلى 56 قتيلاً.. والأزمة الإنسانية تتفاقم

حصيلة ضحايا فيضانات باكستان ترتفع إلى 56 قتيلاً.. والأزمة الإنسانية تتفاقم
فيضانات باكستان

أعلنت هيئة إدارة الكوارث الإقليمية في البنجاب أن حصيلة الوفيات بسبب الفيضانات ارتفعت إلى 56 شخصًا، في حين تواصل المياه اجتياح القرى والحقول وقطع الطرق في واحدة من أعنف موجات الفيضانات التي يشهدها الإقليم منذ عقود، حيث لم تعد الأمطار الغزيرة مجرد ظاهرة موسمية، بل تحولت إلى كارثة شاملة دفعت آلاف العائلات إلى ترك منازلها واللجوء إلى مخيمات إغاثة مؤقتة، وسط ظروف معيشية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن الفيضانات اجتاحت أكثر من 25 منطقة و4155 قرية، وأدت إلى نزوح ما يقرب من 70 ألف شخص نحو مخيمات الإيواء. أُنشئ ما يقارب 425 مخيمًا إغاثيًا و500 مركز طبي لمعالجة ما يقارب 175 ألف مريض أصيبوا بأمراض مرتبطة بتلوث المياه وسوء التغذية. وعلى صعيد الزراعة، غمرت السيول ما يزيد على 1.05 مليون فدان من الأراضي الزراعية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي في بلد يعتمد على البنجاب كونهم مخزناً رئيساً للحبوب والقطن.

وتفاقمت حدة الفيضانات بفعل تغير المناخ الذي جعل مواسم الأمطار في باكستان أكثر تقلبًا وعنفًا، فقد أسفرت أمطار غزيرة مفاجئة في الشمال منذ يونيو عن مقتل أكثر من 700 شخص، في حين تسببت الأمطار غير المسبوقة في تضخم مجاري الأنهار وقطع الجسور، ومع غياب أنظمة فعالة للإنذار المبكر وضعف البنية التحتية في المناطق الريفية، وجد الملايين أنفسهم بلا حماية حقيقية أمام قوة الطبيعة.

تداعيات إنسانية متراكمة

لا تتوقف الكارثة عند حدود الخسائر البشرية والمادية، بل تمتد إلى تهديد استقرار الأسر والمجتمعات، ففي المخيمات المؤقتة، يفتقر السكان إلى المياه النظيفة والكهرباء والمرافق الصحية، في حين يواجه الأطفال والنساء الحوامل وضعًا صحيًا هشًا يزيد من احتمالات تفشي الأمراض. 

المزارعون، الذين فقدوا محاصيلهم ومواشيهم، يجدون أنفسهم على أعتاب الفقر المدقع، وهذه التداعيات تُنذر بأزمة إنسانية طويلة الأمد قد تمتد لسنوات إذا لم تُواجه بخطط إنقاذ شاملة.

ورغم إعلان السلطات الباكستانية نشر فرق إنقاذ وإجلاء عشرات الآلاف، اتهمت أصوات محلية الحكومة بالتباطؤ وسوء التنسيق في إيصال المساعدات، على المستوى الدولي، تحركت الأمم المتحدة عبر تخصيص تمويل عاجل من صندوق الطوارئ، كما أرسلت الولايات المتحدة عدة شحنات من المساعدات الإنسانية.

وأعلنت منظمات مثل الصليب الأحمر والاتحاد الأوروبي والصين تقديم دعم مالي ولوجستي، غير أن منظمات حقوقية حذرت من فجوة هائلة بين حجم الأزمة وحجم الاستجابة، مؤكدة ضرورة ضمان توزيع المساعدات بشكل عادل، خاصة على الفئات الأكثر هشاشة مثل النساء والأطفال والأقليات.

 انعكاسات على الأمن والاقتصاد

يمثل البنجاب العمود الفقري للإنتاج الزراعي في باكستان، ومع غرق الحقول وتلف المحاصيل، يلوح في الأفق خطر ارتفاع أسعار الغذاء ونقص الحبوب، وهو ما قد يزيد من معدلات الفقر ويقوّض جهود الاستقرار الاقتصادي، وستضاعف الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، بما في ذلك الطرق والجسور، كلفة إعادة البناء، وتؤثر بشكل مباشر في حركة التجارة الداخلية والخارجية.

وتتجاوز الأزمة الراهنة حدود الإغاثة الطارئة، فهي تكشف عن حاجة ماسة إلى استراتيجية شاملة تتضمن: بناء سدود وأنظمة تصريف مياه أكثر كفاءة، وتطوير شبكات الإنذار المبكر والاستجابة المجتمعية للكوارث، ودمج سياسات الحد من الكوارث في خطط التنمية المستدامة، وضمان العدالة في إعادة الإعمار بحيث تصل المساعدات إلى جميع الفئات دون تمييز.

في البنجاب، لا تُقاس الكارثة فقط بعدد القتلى أو حجم الخسائر المادية، بل بوجوه العائلات التي فقدت مأواها، وبصوت المزارع الذي خسر أرضه، وبعيون الأطفال التي تبحث عن مدرسة لم تغمرها المياه، هذه المأساة الإنسانية تضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي حقيقي: هل سيقف العالم إلى جانب باكستان في مواجهة فيضانات لا تعكس فقط غضب الطبيعة، بل تكشف أيضاً هشاشة النظام الإنساني أمام تحديات المناخ والتنمية والعدالة الاجتماعية؟



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية